ابن سيرين .. المشكلة و الضحية

ابن سيرين

مشكلة ابن سيرين هي مشكلة الأمة مع تفسير الأحلام وتصديق الخزعبلات ونسبة الكلام الفارغ إلى غير أهله من أهل العلم والتقوى والمعرفة ..

وقبل الدخول في صلب الموضوع أخبركم مقدماً بأنني لا أصدق كثيراً بمسألة تفسير الأحلام (حتى لو اعتمد أصحابها على الآيات والأحاديث لتقويتها وعضدها بما يصعب على الناس إنكاره والخصام فيه) . غير أنني في المقابل لا أخفي دهشتي وتعجبي من قدرة المؤولين على الربط بين الأحلام وما يقابلها من آيات وأحاديث بطريقة “خبيرة” يعجز عنها عامة الناس.. فعلى سبيل المثال أتى رجل إلى ابن سيرين وقال له: رأيتني أرفع صوتي بالأذان. فقال له: ستحج إن شاء الله (عطفا على قوله تعالى: وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا).. وسأله تاجر: حلمت بأنني أسقط في بئر. فقال له: سيمكر لك إخوتك من التجار (اعتمادا على مكر إخوة يوسف ورميه في البئر).. وسأله رجل: رأيتني أقرأ القرآن في الحمام فقال له: سيفضحك الله بأمر فاحش (لأن الحمام مكان كشف العورات والقرآن ينصت إليه الناس ويسمعون). وسأله رجل: رأيتني أركب السفينة دون أصحابي. فقال: أصحابك فُساق وسينجيك الله منهم (عطفا على قوله تعالى: فأنجيناه وأصحاب السفينة) !!

.. ورغم جمال هذه القصص إلا أنها مثل غيرها إما ملفقة أو غير صحيحة أو منسوبة لغير أصحابها..

ورغم اعترافي بإمكانية وقوع الأحلام ذاتها إلا أنني لا أصدق بضرورة الربط بينها وبين الآيات والأحاديث التي استعملت في تأويلها.. بل أعتقد شخصيا أن توفر كم هائل من الآيات والنصوص المقدسة قدم للمؤولين والمفسرين خصوصا في صدر الإسلام خيارات كثيرة لربطها بأي أحداث ووقائع يمكن أن يراها النائم (لدرجة أكاد أجزم بأن أي حلم ستراه هذه الليلة ستجد له في النهاية آية أو حديثاً يتواءم معه) !

هذا من جانب..

ومن جانب آخر لا ننسى أن معظم قصص التأويل وتفسير الأحلام تنسب لفقهاء وعلماء (محترمين) بغرض منحها مصداقية وقوة لا يمكن لمفسر من عامة الناس تقديمها.. وأكثر من عانى من هذه المشكلة هو “ابن سيرين” التابعي البصري الذي نُسب إليه كتاب كامل في تفسير الأحلام يعد حتى يومنا هذا مرجعا لكافة المتخصصين (والمتدربين) في هذا المجال ..

ولكن الحقيقة هي أن محمد بن سيرين كان فقيها ورعا، عُرف بالزهد والتقوى، وأدرك ثلاثين صحابيا قبل وفاته (بحيث لا تتفق سيرته مع معظم التأويلات المنسوبة إليه). فرغم كثرة حديث المؤرخين عنه وإيراد اسمه في تراجمهم لم يذكر أحد منهم أنه ألف كتابا لتفسير الأحلام، بل على العكس اتفقوا على أنه لم يكتب كتبه بنفسه بل أملاها على طلابه رغم معرفته بالكتابة.. ويؤيد هذا الرأي الاستاذ مشهور حسن سلمان في “كتب حذر منها العلماء” حيث نبه إلى تلفيق هذا الكتاب (تعبير الأحلام) إلى ابن سيرين مع كتاب آخر بعنوان “منتخب الكلام في تفسير الأحلام” وخلُص إلى أن كتاب تفسير الأحلام المشهور بين العامة حالياً وضعه الفقيه عبدالملك الخركوشي النيسابوري المعروف بأبي سعد الواعظ المتوفى سنة 407 (أي بعد وفاة ابن سيرين ب300 عام على الأقل) !!

… ومشكلة ابن سيرين هذه طالت أيضا أسماء كثيرة (محترمة ورصينة) مثل علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب والإمام الشافعي وابن القيم والحسن البصري، الذين نسبت إليهم تفسيرات وتأويلات بل وأحاديث وكتب ورسائل لا تخصهم، أو لا تليق بهم، أو ظهرت بعد وفاتهم!!

… أيها السادة:

جاء رجل إلى النبي فقال: رأيت كأن رأسي قد قطع وأنا أتبعه وأنظر إليه؛ فضحك النبي وقال: وبأي عين كنت تنظر إليه !!؟

 

منقول من فهد عامر الأحمدي في صحيفة الرياض

أضف تعليق