لماذا لا يتذكر البعض أحلامهم؟

لماذا لا يتذكر البعض أحلامهم؟

لا يتذكر الكثير من الناس أحلامهم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم لا يحلمون، فقد أظهرت الأبحاث في المختبر أن كل الأشخاص تقريبًا الذين لا يشكون من اضطرابات النوم مثل توقف التنفس أثناء النوم يمرون بمرحلة الأحلام، وقد يكون هناك عدة أسباب لعدم تذكر البعض أحلامهم، فالأشخاص الذين لا يشغلون بالهم بموضوع الأحلام ربما لا يتذكرونها، كما أن الشخص الذي ينام ساعات قليلة ربما لا يمر بالمرحلة الأخيرة من النوم التي تحدث فيها الأحلام الطويلة. كما أن الإنسان الذي يستيقظ خلال الحلم ويستمر مستيقظًا لعدة دقائق يتذكر الحلم، أما الذي لا يستيقظ خلال الأحلام أو يستيقظ لدقائق ثم يعود للنوم فإنه في العادة لا يتذكر حلمه. لذلك أطمئن الذين لا يتذكرون أحلامهم طالما أن نومهم مريح ونشاطهم بالنهار طبيعي، وأتمنى أحلامًا سعيدة لمن يتذكرون أحلامهم. وهنا سنستعرض بعض الأبحاث الحديثة التي ساعدتنا في فهم آلية تذكر الأحلام. فقد نشر بحث في شهر يناير 2013 في مجلة Journal of Cerebral Cortex قام به باحثون من مركز العلوم العصبية في ليون الفرنسية، ودرس الباحثون التغيرات التي تحدث في النوم عند من لديهم “قدرة عالية على تذكر الأحلام” وقارنوهم بمن لديهم “قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام”. ووجد الباحثون أن أصحاب “القدرة عالية على تذكر الأحلام” كانت مرات الاستيقاظ من النوم لديهم ضعف عددها عن من صنفوا “قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام”. كما أن أدمغة اصحاب “القدرة العالية على تذكر الأحلام” كانت أكثر استجابة للمؤثرات السمعية أثناء النوم واليقظة. هذه الزيادة في استجابة الدماغ تشجع الاستيقاظ أثناء الليل، وبالتالي قد تساعد في تذكر الأحلام خلال فترات اليقظة القصيرة. فمن المعلوم علميا، أن الدماغ غير قادر على حفظ المعلومات الجديدة خلال النوم، و يحتاج إلى الاستيقاظ لتذكر المعلومة. وهذه النظرية تدعمها أبحاث أخرى. ففي بحث قمنا به في المركز الجامعي لطب وابحاث النوم في جامعة الملك سعود ونشر في مجلة Sleep Medicine في أكتوبر 2012، درسنا العلاقة بين اضطراب توقف التنفس اثناء النوم والذي من علاماته الشخير وتقطع التنفس المتكرر الذي يوقظ النائم من النوم بصورة متكررة. فقد درسنا 99 مصابا بتوقف التنفس اثناء النوم والتي كانوا يعانون من كثرة الأحلام والكوابيس (حسب تعريف الأكاديمية الأمريكية لطب النوم) وقارناهم بعينة مماثلة في العمر والجنس وعدد مرات توقف التنفس في الساعة مكونة من 124 مصابا بتوقف التنفس أثناء النوم من دون أحلام متكررة أو كوابيس. ووجدنا أن توقف التنفس في مرحلة الأحلام كان أهم عامل لظهور الأحلام والكوابيس عند المصابين بتوقف التنفس اثناء النوم. وقد فسرنا النتائج بأن وجود اختناق في مرحلة الأحلام يسبب الاستيقاظ المتكرر و بعض التغيرات في مراكز العاطفة في المخ مما يسبب الكوابيس. فالاستيقاظ المتكرر من النوم ينتج عنه تذكر الحلم أو الكابوس. نتائج الدراسة تشير إلى أن توقف التنفس أثناء النوم قد يكون أحد اسباب تذكر الأحلام والكوابيس الليلية.

وقد ظهرت هذا الشهر (فبراير 2014) نتائج مهمة ساعدتنا في فهم آلية تذكر الأحلام بشكل أكبر ونشر البحث في مجلة Neuropsychopharmacology. حيث قام باحثون في مركز العلوم العصبية في ليون الفرنسية باستعراض التغيرات التي تحدث في المخ عند من لديهم “قدرة عالية على تذكر الأحلام” وقارنوهم بمن لديهم “قدرة ضعيفة على تذكر الأحلام”. ولتحديد نشاط المخ أثناء النوم واليقظة، استخدم الباحثون التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET Scan). وأظهرت النتائج، أن نشاط المخ الذاتي كان أقوى من لديهم “قدرة عالية على تذكر الأحلام” في قشرة الفص الجبهي الأنسي وملتقى الفصين الصدغي والجداري، وهي منطقة من الدماغ تشارك في توجيه الانتباه نحو المثيرات الخارجية. هذا قد يفسر لماذا كان ذوو “القدرة العالية على تذكر الأحلام” أكثر تفاعلية مع المؤثرات البيئية السمعية أثناء النوم واليقظة، وأكثر استيقاظا أثناء النوم، وبالتالي أكثر قدرة على تذكر الأحلام. علما بأنه لوحظ في دراسات سابقة أن العطب في هاتين المطقتين من الدماغ يؤدى إلى عدم القدرة على تذكر واسترجاع الحلم. ما سبق من أبحاث يؤكد أنه بالفعل هناك أشخاص أكثر قدرة على تذكر أحلامهم. ولكن يبقى أن نعرف ماهي تأثيرات هذا الاختلاف بين الاشخاص على الوظائف العاطفية والوظائف الدماغية. ومن المهم أن نذكر في هذا السياق أن هناك بعض الأدوية والأمراض وبالذات الأمراض النفسية التي قد تزيد من الكوابيس وتذكر الأحلام. ولكن لم يدرس حتى الآن التي تحدث في الدماغ عند هؤلاء الأشخاص.

أضف تعليق