تفسير الاحلام و آمال النساء

تفسير الرؤى والأحلام هل هي علم أم استغلال؟، وهل هي رؤية في الأساس أم حلم؟.. وماذا يعني تسابق القنوات الفضائية على تكثيف برامج تفسير الأحلام؟، وتسابق النساء خاصة على تفسير أحلامهن؟،.. ولماذا اجابات المفسرين متقاربة خاصة في الزواج والخطوبة؟.. اسئلة كثيرة تحمل معها إجابات متناقضة وربما غير مقبولة، لأن التعلق بتفسير الآخرين يحبس النفس عن الوصول إلى مرادها وتطلعاتها ويجعلها أسيرة لهذا التفسير، وربما بنى قراراته عليه..

“الرياض” ترصد في هذا التحقيق تسابق النساء على تفسير أحلامهن، وشغفهن في معرفة ذلك بالتفاصيل؛ رغم أن كثيراً من أحلامهن لا يوجد لها تفسير أصلاً، وفي المقابل يتعرضن للاستغلال المادي من القنوات الفضائية المختصة، والاستغلال المعنوي حين يبقين أسيرات للتفسير، وكأنهن جزمن أنه سيقع!..

ماذا تعني لك أحلامك؟

تقول مواهب الدوسري “موظفة” إن أغلب الأحلام تكون في اليقظة؛ إلا أنني لا أتردد أبداً في تفسير الأحلام التي استغربها، لأنني أتخوف منها واحتاج أن اطمأن حتى لا تاخذ وقتا مني في التفكير، كما لا أستهين أبداً بالرسائل الليلية؛ وخاصة ما يتعلق بالأسرة؛ والأكثر عندما أرى في المنام أشخاصاً لا أرتاح لهم، وخصوصاً حين تحمل رموزاً معينة.

وترى مها عبدالله “إعلامية بالمنطقة الشرقية” أنها لا تعير تفسير الأحلام اهتماماً كبيراً، لأن عصرنا مليء بالألوان والاضطرابات والأحداث؛ فلا استغرب أن يحلم البشر بالليل والنهار بكل شيء، وتضيف: لن أفسر حلماً ابداً، إلا إذا رأيت شيئا فعلاً لا علاقة له بما يدور في حياتنا اليومية؛ أما الشخصيات التي نراها في المنام فلا تخرج عمن يأخذون حيزاً من تفكيرنا واهتمامنا، بالرغم من القناعات المتداولة حول شغف الإعلاميين بمعرفة ما سيكون بالمستقبل!..

النساء أكثر

وعن الفرق بين الحلم والروية ومن يبحث عن الأحلام أكثر النساء أم الرجال؛ قال د. يوسف المنصور إن الحلم نوعان؛ نوع من الشيطان وهو المزعج المخوف وليس له معنى ولا يفسر، والآخر حديث النفس وهو ما يكون مكملاً لانفعالات الشخص باليقظة، وأما الرؤيا فهي من الله، ولها معنى ومدلول غيبي.

وأضاف أن النساء أكثر من الرجال في تفسير الأحلام، والسبب في ذلك أن المرأة أقل حيلة من الرجل، إلى جانب عاطفة النساء وكثرة ظروفهن ومعاناتهن من الظلم والقهر، وخصوصاً من أزواج لا يخافون الله بهن، ولا يأبهون بحقوقهن؛ فتظل الواحدة منهن متعلقة ومتمسكة بأي أمل ولو عن طريق الحلم؛ لقلة حيلتها وأخذ حقها بيدها ولكثرة حساسيتها وقوة عواطفها مما يدعها تنتظر الحلول والفرج من خلال تحقيق أحلامها؛ لذا تجد أن كل أمر صعب تتمناه الأفئدة ولو عن طريق المنامات، مؤكداً على أن ليس كل ما يطرح له معنى وتفسير غيبي مرتقب، لأن بعضها من الشيطان وبعضها حديث النفس بالطبع؛ فأحسن عمل لدى الشيطان التفريق فربما يري أشخاصاً منامات شيطانية تكون سبب تفريق وخصومات إن كان حلماً من الشيطان فسيكون له تأثير سلبي على المجتمع وإن كانت رؤيا صادقة فسيكون لها تأثير إيجابي على المجتمع.

وأشار إلى أن كل كان ما يراه الرائي رؤيا صادقة فسيصل إلى معرفة الحق ومكان السحر والشخص العائن مع عدم الاعتماد عليها على سبيل الإطلاق ولا يؤخذ بها الجُناة، ولا يعتمد عليها بالأحكام، لأنها ليست قطعية الدلالة بل ظنية ويظهر موقف غالب الناس اليوم من الرؤى والرقية على طرفي نقيض: منهم المُفرط المبالغ الذي يعتقد أن التأثير في نفس المعبر في مجال الرؤى، أو نفس الراقي في مجال الرقية وهذا من عظيم الظلم والخطأ، لأنه تعلق بالمخلوق، ومنهم المفرّط المجحف الذي يعتبرها نسجاً من الخيال والخرافات والخزعبلات، وهو من فعل الملاحدة والمعتزلة؛ وصدق الله القائل (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)، وقولهم: (الناس أعداء ما جهلوا).

وقال لا يحق أن نمنع من يريد أن يفسر، مؤكداً على أن للرائي حقا في البحث عن التفسير ولا يستحسن منعه لأن فيها دلالة على الغيب والآخرة فهي مما يزيد الإيمان بيوم القيامة، وقد تكون سبباً في توبة الرائي وهدايته من الضلال، وقد يهتدي بها الرائي إلى معرفة الحق والرزق، وفيها تطلع لمعرفة ما يغيب عنه ويخفى عليه بدلاً من الذهاب إلى العرافين والكهنة والمشعوذين، حيث يقول الشيخ السعدي في تفسير كلام المنان: “إن علم التعبير من العلوم الشرعية التي يثاب على تعلمه وتعليمه..”.

تفسير يومي

أم البراء صاحبة “موقع حلم” لتفسير الأحلام اليومية من المنطقة الغربية تقول لماذا لا نقدم للناس الخدمة السريعة؟، فأنا أقرأ أحلامهم وأفسرها بشكل يومي واستند في ذلك على تفاسير ابن سيرين وغيره من المفسرين الثقاة، وقد وفقت بتفسير الكثير من الرؤى، فانا أتابع البرامج الخاصة بالأحلام وأتابع المفسرين واختلافهم في تأويل الأحلام وهذه خدمة مجانية، لا نأخذ عليها مقابلا كما هو الواقع من بعض المفسرين الذي تصل فيه الرسالة إلى عشرين ريالاً؛ وأنا لا ادعي أني املك مفاتيح ورموز كل الروى التي تردني ولكن أحاول!.

مواقع وقنوات الأحلام

وعلق د. المنصور على كثرة القنوات والمواقع التي تفسر الأحلام، وقال: إن ذلك يعود إلى كثرة السائلين؛ فمثلاً لو كثر المرض يقابله كثرة أطباء وهكذا، ولكن ما يهمنا أن يكون المعبرون على مستوى تفسير الأحلام، وثقة الناس فيهم، مشيراً إلى أن المفسرين يفتقدون إلى عدم وجود جهات تتبنى تطوير مهارات المفسرين وقدراتهم الحقيقة؛ وأرجو ذلك في المستقبل، مؤكداً على أن الأمور حالياً لاتزال اجتهادية من الكثيرين..

 

وجهة نظر أخرى!

ويرى أ. د. عبد الستار إبراهيم استشاري طب علم النفس العيادي ورئيس وحدة الطب النفسي بالمركز الاستشاري بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن الإحباط الذي تعاني منه المجتمعات العربية هو الذي جعلها تلجأ إلى تصديق الخرافات والخزعبلات، وربما تعرض المريض للخطورة التي لا يتوقعها؛ ولذا فليس كل الأحلام تقع، أو أن تفسيرها صحيح، أو أن الإنسان يبقى أسيراً لها، داعياً إلى التفاؤل في الحياة، وترك المنغصات التي لم تثبت سوى في الحلم؛ محذراًً في الوقت نفسه من المستغلين مادياً لتفسير الأحلام، وبحكم عملي في المجتمع السعودي؛ فإن 90% ممن يأتون للعلاج سبق وان استغلوا واستخدموا أساليب علاجية خاطئة.

وأضاف أن من الأمراض التي قد تنتج عن الأحلام المزعجة أو الكوابيس؛ ما يعرف بالاضطراب النفسي والاكتئاب وانفصام الشخصية، ولو لم يكن هناك معالجة سليمة منذ البداية فإن ذلك ربما يهدد صحة الإنسان مستقبلاً؛ داعياً إلى احترام العلم وأهل التخصص، وأنا هنا لا أعمم، فهناك من المفسرين من هو متخصص في مجاله، ولكن الصعوبة في فرز الإنسان البسيط للمتخصص من غيره..

الأحلام ترسبات نفسية

ويقول د. جمال الطويرقي استشاري الطب النفسي أن الأحلام وتفسيرها علم موجود ولا يمكن للمسلم إنكاره؛ وقد أعطى سنة التفسير ليوسف عليه السلام منذ صغره كما ورد (يا أبتي إني أرى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين)، وكذلك ما فسره من رؤيا السجنين، مشيراً إلى أن الحقيقة العلمية تقول إن الإنسان الذي لا يحلم قد يموت؛ ولكن قد يصبح هذا الحلم مصدر قلق إذا كان هناك ترسبات نفسية في النهار وهو ما نسميه اللاوعي أو العقل الباطن، ويحاول الإنسان أن يخرجها للوعي فهي وسيلة للتعبير عما لم يستطع التعبير عنه، ولذلك نجد أن الإنسان قد يرى شخصاً في الحلم سواء كان صديقا أو عدواً أو قد يكون هو ذاته ويرافقه تفاصيل تؤدي إلى التأويل الذي يعبر عما بداخله، واختلاف التأويل بسبب أن التفاصيل مختلفة.

وأضاف أن النفس البشرية بطبيعتها شغوفة بمعرفة الغيبيات؛ وهذا ما يجعلها تلجأ إلى الخرافات والخزعبلات كقراءة الفنجان والكف وضرب الودع وغير ذلك، ولكي يكون تحت غطاء الدين تلجأ شريحة من الناس المدعين لتفسير وتعبير الرؤى، بينما نرى المفسر المتفهم والخبير يسأل عن حالة الرأي الشخصية والاجتماعية وهو تحليل نفسي ولكن بشكل آخر ليصل إلى رابط في الحلم وتسمى في الطب اضطرابات النوم وكذا الكوابيس، ونحاول أن نسأل عن عدد ساعات النوم واضطرابات المزاج والعلاقة بينهما سببية، مؤكداً على أن الأمر لا يختلف عند الرجل ولا المرأة وليس هناك دراسات مقننة تقول إن الأحلام او القلق الليلي أكثر عند النساء من الرجال ولكن يمكن أن يكون للفراغ دور في بحث المرأة الدائم عن الغيبيات.

 

البحث عن الأمان..

وأشار أ. د. عبد الستار إلى أن مشكلة بعض النساء أنهن يبحثن عن الأمان في أضغاث أحلام، وقال: إن المرأة في احتياج عميق ودايم للامان لأنه يواجهها الكثير من المشكلات الاجتماعية؛ فهي تحاول تغطية ذلك من خلال بحث دائم عن الحلول السريعة؛ رغم تحملها أحياناً المبالغ المادية التي تعتبرها زهيدة، ولكن المشكلة حين تدفع الأموال ولم تنته معاناتها، مؤكداً على أن المرأة أكثر معاناة من الرجل، مؤكداً على أن لبعض وسائل الإعلام المرئية دورا في تحفيز النساء على البحث عن الغيبيات ومن ذلك تفسير الأحلام؛ نتيجة تراكمات اللاوعي؛ فهي وسائل ترفيه وابتذال أكثر منها وسائل لتنوير العقول، كما أن سيطرة فئات لاهثة للاستغلال المادي باسم الدين، والمتعالمة في الطب النفسي جعلهم يفرضون وجودهم على “السذج”!.

 

التحول السريع للمجتمع

وقال د. صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود إن التحول السريع للمجتمع، ومحاولة الناس استيعاب هذا التحول وما رافقه من تطورات؛ جعلهم في حالة بحث دائم للهروب إلى اللاوعي؛ فالمعايير تغيرت والنمط الاستهلاكي والعادات الاستهلاكية كذلك؛ فانصب اهتمام الناس بالماديات أكثر من القيم المجتمعية ووسائل الكسب، مشيراً إلى أن المرأة تخضع لضغوط كثيرة بسبب التفكير في مصائر أفراد الأسرة، فمثلاً تبحث عن المبشرات أو خيوط توصلها لما تأمل تحقيقه؛ فالعانس قد تتزوج قريباً والابن الذي لا يعمل ستعرض عليه فرصة وظيفية وهكذا؛ وبالرغم من أن المجتمع السعودي ذو ثقافة ونشأة دينية سليمة، إلا أن تحلل أفراده وخاصة المرأة من كثير من الواجبات المنزلية وكثرة العمالة والفراغ وتحسن الحالة المادية والتحلل من بعض القيود وتحول المجتمع لتقبل فكرة الانخراط بالزيارات والاجتماعات النسائية جعل الأمر قابلا للتدوال، كما أن الصورة المثالية التي تصورها الأفلام والمسلسلات للحالة الاجتماعية خلق بؤرة من الفراغ العاطفي والبعد عن التفكير بموضوعية.

وأضاف لو أن أفراد المجتمع يلتزمون بما ورد في الشريعة الإسلامية لما وجد هؤلاء المستغلين وأمثالهم بيئة وموردا للكسب؛ كما في القنوات أو الرسائل وليس قصورا في المعالجة، لأن سبل العلاج في المشكلات أو الظواهر الاجتماعية المقدمة من الموسسات المجتمعية وخاصة النامية يكون بطيئاً، بسبب الإمكانيات غير المتوفرة ولكن لعله في السنوات القليلة المقبلة -بإذن الله- قد يجد هذا العلم جهة واضحة لدراسته مما يقلل الفرص أمام المستغلين.

أضف تعليق