ام مبارك .. اشهر مفسرة احلام في القرن الماضي

( أم مبارك ) امرأة بدوية يقصدها تجار اللؤلؤ مثلما يقصدها الساسة والعشاق والبدو الرحل أوائل الثلاثينيات لعرض أحلام ورؤى المنام ورغم أنها لا تجيد القراءة إلا أن الله قد حباها معرفة بتفسير الرؤى قبل وقوعها وشهد لها ولقدراتها المستشرق والمفوض السياسي في الكويت ( ديكسون ) ضمن كتابه عرب الصحراء من واقع تجارب حقيقية عند ما توجه إليها على فترات متباعدة بثلاثة أحلام رآها بنفسه جاءت تنبؤاتها مطابقة لتفسيرها, احد هذه الأحلام ترتب عليه إيقاف عمل إحدى شركات التنقيب في الكويت وقد ذاع صيت هذه المرأة الى خارج المنطقة عن طريق المستشرق وأصبح يتلقى رسائل من أصدقائه الأوروبيين يطلبون تفسيرا لأحلامهم من ام مبارك , وفيما يخص الأحلام التي رآها ديكسون وفسرتها المرأة كان احدها يتعلق بمحاولة الغدر بأحد الزعماء العرب والثاني عن كارثة حلت بالكويت والثالثة تحدد منابع النفط والتي سنذكرها ضمن عدة حلقات بعناوين مختلفة ونبدأها بما ذكره الرحالة عن أهمية الأحلام وتفسيرها عند العرب والبدو بالذات مؤكدا أنهم يولون رؤاهم اهتماما بالغا ويذهبون بوقار الى اقرب مفسر للأحلام, ليعرضوا عليه ما رأوه مشيرا إلى أن معظم مفسري الأحلام في العادة من العجائز المسنات اللواتي يشتهرن بمعرفة الأعشاب والتوليد ويؤكد أيضا أن تفسير الأحلام ووفقا للتقاليد العربية يكون غالبا بالضد فإذا حدث ورأى الحالم امراً يدعو للتشاؤم فان الحلم يكون بشيرا بالخير والحلم الذي تقتل فيه الأفاعي يعني دوما ان المرء سينتصر على أعدائه والحلم الذي يجري فيه إطفاء النار يبشر أيضا بالخير والخنجر في الحلم يعني المرأة أما السيف فيعني الرجل وهكذا . ويوجد من الأشخاص من يعرفون بأنهم يملكون موهبة خاصة لرؤية الأحلام النبؤية وأمثال هؤلاء الأشخاص يحظون دوما بالاحترام والانتباه عند ما يروون أحلامهم.

ويضيف : وقد حالفني الحظ أنا نفسي عند ما تحقق ثلاثة من الأحلام التي رأيتها في الكويت . وقد حرصت على رواية الأحلام مقدما لأشخاص عديدين كان من ضمنهم شيخ البلاد وقد تحققت هذه الأحلام على نحو مذهل بعد أن قامت بتفسيرها ( أم مبارك ) وهي امرأة بدوية تتمتع بالخبرة في تفسير الأحلام , وسأشير إلى الأحلام المذكورة كمجرد مثال على الأساليب المتبعة في التفسير

فقد حلمت في ليلة السابع والعشرين من ابريل عام 1934م أن حريقا كبيرا شب في الكويت انتشر بسرعة حتى أصبحت المدينة كلها شعلة من النار ورأيت سكان المدينة بوضوح وهم يتدفقون من بوابة المدينة للخروج إلى الصحراء في ذعر شديد وتابعت الهرب إلى أن أصبحت على بعد أربعة أميال فوق تلة تعرف بالعديلية .ومن هناك نظرت ورائي لأرى المدينة من أولها إلى آخرها وقد ذهبت طعماً للنيران وأخذت أتساءل عما سيحدث في النهاية وفجأة رأيت البحر يعلو ويعلو إلى أن أصبح بارتفاع خمسين قدماً وبدأ يفيض ببطء ويغمر المدينة ويخمد النار بما يشبه السحر . وكان الحلم بجميع تفاصيله غاية في الوضوح مما دفعني للبحث عن أم مبارك لأسألها عن تفسيره على سبيل التسلية . استغرقت السيدة الطيبة في التفكير طويلاً وأخيرا قالت إن شراً سيحيق بالمدينة ويتعرض جزءا كبيرا منها للدمار ( هذا عن النار ) ولكن مجيء البحر وإنقاذه للموقف كان يعني أن خيراً عظيماً سيتلو ذلك يعوض الناس عن جميع خسائرهم


الكولونيل دكسون

وفي الثالث من شهر مايو أي بعد الحلم بسبعة أيام هطلت أمطار غزيرة في وقت كان يندر فيه هطول المطر في ظرف 3 ساعات ونظرا لأن معظم البيوت مبنية من الطين فان الكارثة كانت تفوق التصور ولم تمض أربع ساعات حتى انهار 400 منزل انهيارا تاما وفقد 2000 من السكان جميع ممتلكاتهم وأصبحوا بلا مأوى وغمرت المياه الشوارع بعلو 5 أقدام ولو استمر المطر نصف ساعة أخرى لسويت المدينة بالأرض وكان هذا يمثل النار التي رأيتها تلتهم المدينة وينتصر للسيدة التي سألتها لاحقا بلهجة مشوبة بالشك ماذا عن البحر الذي يغمر المدينة فردت قائلة إنها الرحمة التي أتى بها المطر , لقد كانت المرأة على حق فمع ان المطر توقف فقد نزل في الصحراء التي احرقها الجفاف لتتحول الى بساط اخضر في أيام قليلة وأصبحت الزبدة والصوف واللحم رخيصة ومتوفرة على نحو لم تعهده البلاد أدى بالتالي الى هبوط جميع السلع بالسوق بطريقة تدعو للدهشة . كان ذلك في سنة 1934م والتي كانت سنة قياسية بالنسبة للكويت من حيث الرخاء . ( يتبع )..

كان أهل القرى وسكان البوادي يعرفون بينهم رجالا أو نساء من المشهود لهم بالصلاح يطلق عليهم عند بعض أهل نجد ( الحلامة ) تتكرر عند هؤلاء أحلام سنوية تنبئ بحال سنتهم إن كانت ربيعا أو جدباً ويرون ذلك إما على شكل سبع يهاجم مواشيهم يتعاركون معه لإبعاده عنها فتأتي السنة على قدر الضرر الذي يخلفه السبع بالمواشي وان تمكن من ذبحه أو طرده كانت سنتهم سنة خير ورخاء وآخرون يرون الربيع والمطر على صورة خلفة ( ناقة حلوب ) يكون ربيعهم بقدر كمية الحليب الذي يملأ به الإناء وان لم يتمكن من حلبها كان عامهم جدباً فكانوا يتوجهون إليهم بالسؤال دوما عما إذا رأوا هذا العام ويتناقلون أحلامهم خصوصا إذا كانت تحمل بشرى خير وكان اغلب هذه الرؤى تأتي صادقة ولا تكاد قرية أو حي يخلو من شخص أو عدة أشخاص تتكرر عندهم مثل هذه الأحلام الصادقة كل عام وقد عرفت شخصا يدعى فرحان الرويلي -رحمه الله- كان يحلم كل عام بناقة تزوره بالمنام فيبشر من حوله بالمطر والربيع على قدر ما يأخذه من الحليب وفي احدى السنوات بشر معارفه وأهل قريته بربيع غير مسبوق وأبدى لهم خوفه من حلمه الذي جاء مختلفا هذا العام عندما تقدم إليه رجل بعد أن ملأ الإناء بالحليب وخطفه من يده بعد تنحيته عن الناقة وقد تنبأ انه سيأتي ربيع يموت قبله فحصل ما توقع وتوفي يرحمه الله مع بداية الربيع الذي جاء مختلفا بالفعل . لكنهم أيضا قد يرونها بصورة أخرى كما كانت مع المستشرق الانجليزي ديكسون في الحلقة الماضية والذي أكدها احد قراء الرياض ( النوخذه ) الذي أتمنى لو ظهر باسمه الحقيقي لأنه يمتلك مخزونا ثقافيا متنوعا جديرا بالظهور والذي أشار إلى أنها حدثت في أول رمضان الموافق 18 / 3 / 1934م وتعرف بسنة ( هدامة ) والتي رأى احداثها ديكسون في المنام وفسرتها ( أم مبارك ) العجوز التي شبهها بساحرة (أندور) وهي تفسر حلمه الثاني الذي قال عنه :

بالرغم من أنني شبهت مفسرة الأحلام العجوز بتلك الساحرة ( أندور ) التي كانت تشبهها في أكثر من جانب ليساعدني ذلك على التصديق إلا أنني بقيت أشك في الأمر على نحو مخجل ، ومن حسن الطالع أنني كنت أخبر شيخ الكويت وغيره من العرب البارزين بالحلم وتفسير أم مبارك قبل هطول الأمطار المفاجئ على المدينة وقبل وقوع الأحداث وقد ترك ذلك لديهم انطباعا خاصاً .

ولا ريب أن القراء يعرفون محاولة الاعتداء الغادر على حياة احد الزعماء العرب التي قام بها مجموعة من الوافدين العرب في المسجد الكبير في مكة عام 1934م ومما يدعو للاستغراب أنني قد حلمت بذلك قبل الحادثة بتسعة أيام . فقد رأيت في المنام أن الزعيم كان في الكويت ويقيم بقصر الشيخ مبارك القديم ، وكنت أقيم بالقرب منه في منزل الشيخ عبد الله السالم وفي منتصف تلك الليلة سمعت وأنا نائم على السطح سبع طلقات تخرج من منزل الزعيم المذكور تلاها نواح وعويل شديد فأيقظت الشيخ عبد الله وانطلقنا إلى المكان بسرعة ولكن حرس القصر منعونا من الدخول رغم أننا كنا نسمع الزعيم يصرخ من الداخل قائلا بأنه قد أصيب بجرح خطير ويطلب حضوري وسرعان ما أدركته المنية عند ما خرج حاجب القصر معلناً موت سيده دون القبض على القتلة ، وعند ما تذكرت حلمي السابق أخبرت الشيخ ثانية بالحلم الجديد فتملكه الاستغراب ، ثم إنني اطلعت أم مبارك العجوز على حلمي ورجوتها أن تفسره . وكان كل ما قالته إن ذلك الزعيم ( سمته باسمه ) له أعداء سوف يحاولون الغدر به إلا أن الله سينقذه من كيدهم ويفتضح أمرهم ثم يقبض عليهم ويعدمون خلال سبعة أيام ( الطلقات السبع ) وبعد تسعة أيام من ذلك جرت محاولة اغتيال الزعيم نفسه لكنه لم يصب بأذى وقام رجاله بمطاردة المعتدين وقبضوا عليهم وأعدموهم . ضاعف هذا الحلم من عجب الشيخ ورواه لعدد كبير من أصدقائه ، وسرعان ما انتشرت القصة انتشار النار بالهشيم وأخذ الناس في الكويت ينظرون إلي بإكبار ويهتمون بأحلامي ويقدرونها حق تقدير . لكنني كنت حريصا على الاحتفاظ بمعظمها لنفسي  -يتبع –

المتابعون معنا أحلام الليل للمستشرق الإنجليزي الكولونيل ديكسون في الحلقتين الماضيتين والتي تحولت وفق ما ذكر بكتابه عرب الصحراء إلى حقائق تحظى دوما باهتمام ومتابعة الكويتيين وابناء البادية ومعهم تجار اللؤلؤ واهل الغوص ويتداولون بينهم ما يراه ( الخواجة) في منامه .؟ خصوصاً المتعلقة ببشائر الربيع والمطر التي يصدقونها دوما ويثقون بنتائجها فاستمر أبو سعود الخواجة يحلم وام مبارك العجوز تفسر أحلامه بكل دقة طيلة اقامته في الكويت وذكر من بين احلامه ثلاثة فقط، وهي حلم سيل سنة هدامه عام 1934م وحلم محاولة الغدر بأحد الزعماء العرب في العام نفسه والتي كان يستفتي بها مفسرة الأحلام العجوز ثم يخبر أمير البلاد وشيوخ العرب بتفاصيل ما تنبأت به قبل وقوعها وفي حلمه الثالث عن ( النفط ) الذي سنستعرضه على مدى حلقتين لابد ان القارئ سيشعر انه امام سيناريو فيلم لا نهاية له من أفلام الرعب حينما ركض به صباح اليوم التالي إلى أم مبارك عند ما ابلغته أنه يجب أيقاف احدى اكبر شركات التنقيب في الكويت ونقل نشاطها إلى مكان آخر تم تحديده من قبلها , ثم يدعي بعد ذلك انه وعجوز الشرق أم مبارك من يعود لهم الفضل في اكتشاف بترول الكويت :

في النصف الأخير من شهر سبتمبر عام 1937م عندما قامت شركت زيت الكويت التي كنت قد التحقت بها حينذاك بحفر البئر الأولى شمال خليج الكويت في منطقة بحرة النائية حلمت حلماً غريباً . كانت عملية الحفر تسير ببطء وكان فريق الزلازل الامريكي الذي يرأسه بول بوتس يجري اختباراً للمنطقة في الجهة الواقعة شمال غربي البئر باستخدام المتفجرات بغية تحديد مكان ( القبة ) المأمولة والذي من شأنه أن يرفع معنويات العاملين وكان عدد من رجال فريق الزلازل يمسح المنطقة الواقعة إلى الغرب من خور ( الصبية ) باتجاه جبل (سنام) الواقع على الحدود العراقية في نفس الوقت وكان مصدر قلق العاملين في بحرة كون البئر قد بلغ عمقاً يفوق العمق المتوقع بكثير ومع ذلك لم يظهر الزيت كان الحلم الذي رأيته كما يلي : كنت انا وزوجتي نسكن في معسكر للزيت في فيلل صغيرة داخل ساحة مسورة واسعة , وكانت تقوم في وسط الساحة في الجهة الجنوبية منها شجرة! ضخمة من أشجار السدر – وكانت الفيللا تطل على منطقة رملية جرداء وفي احدى الليالي هبت زوبعة رملية شديدة لم أرى مثلها في حياتي واستمرت الزوبعة طوال الليل وكانت النوافذ والابواب تصطك على نحو كئيب في حين كانت رائحة الغبار الذي حملته الزوبعة قد تغلغلت داخل المنزل مما جعل التنفس صعباً وكانت ليلة لا تنسى , وعند طلوع الفجر القينا نظرة من حولنا فوجدنا العاصفة قد هدأت ولكن دهشتي كانت شديدة عند ما وجدت أن الرياح قد أحدثت فجوة واسعة في المنطقة المجاورة لشجرة السدر خلف الفيللا وكانت الفجوة مربعة الشكل لا يقل ضلعها عن مائة قدم وارتفاعها عن ستة اقدام وكان يظهر في وسط الفجوة مصطبة حجرية بارزة يعلوها لوح حجري كبير بطول ستة اقدام وعرض اربعة اقدام وكان يرقد فوقه شخص منبطح مكفن بقماش قطني قديم لونه اصفر فقمنا انا وزوجتي نتفحص الشخص الراقد فوق اللوح الحجري وأزحنا طرف الغطاء عن وجهه ورأسه وكان القماش مهترئاً من القدم واخذ يتفتت ! بين ايدينا , وكانت دهشتنا بالغة عند ما رأينا أمامنا وجه فتاة شابة بدا من الواضح أنها كانت جميلة وكان جلدها جافا اشبه بجلد المومياء بلون بني باهت .وكان من الواضح ان العاصفة قد نبشت أحد القبور القديمة وحملت معها الرمال التي كانت تحيط به وتركت ساكن القبر ملقى على الارضية الصخرية الاصلية والتي اصبحت ترتفع كالمصطبة , وكان منظر الجثة كئيباً جدا فأسرعنا ننادي الخادم ليساعدنا في حفر قبر جديد , وما أن عدت حتى اشارت زوجتي بانفعال إلى وجه المرأة الميته الذي بدأت تظهر عليه علامات الحياة بالتدريج . وفيما نحن ننظر اليها بحيرة قاتلة ، بدأ الرونق يعود إلى وجهها الجاف وبدأ الدم يعود إلى وجنتيها وبدأت انفاسها تتردد وأخذ جسمها ينبض بالحياة , ثم انها فتحت عينيها وجلست وهي تحاول أن تتخلص من الكفن الذي يلفها . أدارت المرأة رأسها نحونا وعند ما رأتنا قالت بما يبدو انه لغة قديمة ( انني اشعر بالبرد بعد ألوف السنوات من النوم ) اعطوني بعض الملابس الدافئة وشيئا من الطعام. ثم انها قدمت لنا قطعة نقدية نحاسية قديمة , فأمسكناها من يدها وادخلناها إلى المنزل حيث قامت خادمتنا البدوية بغسلها والباسها الثياب فيما كنا نحن نعد الطعام

( يتبع )

الذين تابعوا سيناريو الحلم الثالث للكولونيل الانجليزي ديكسون في الحلقات الماضية يتذكرون كيف وصف تلك الزوبعة الرملية الهائجة التي رآها في المنام تهب بضراوة حتى طلوع الفجر نتج عنها فجوة عميقة بجوار شجرة ثم نبشت قبرا في الصحراء رأى داخله جثة فتاة بديعة الجمال دفنت من آلاف السنين كانت تتمدد وهي تلف داخل كفن مهترئ وبينما سارع الكولونيل لمحاولة تجهيز قبر آخر لإعادة دفن الجثة بمساعدة زوجته. فتحت المرأة عينيها وهي تحاول التخلص من الكفن وتمتمت بكلمات بسيطة تشكو من الجوع والبرد وتطلب لحافا وشيئا من الطعام ثم قدمت لهم قطعة نقدية نحاسية قديمة قبل ان يأخذاها إلى المنزل لتقوم خادمتهم البدوية بغسلها وإلباسها الثياب إلى آخر الحلم الذي ختمه بالقول :

وبعد ان شاركتنا الطعام أعربت المرأة عن رغبتها بالخروج إلى الحديقة والجلوس تحت شجرة السدر. فسمحنا لها بذلك، عند ما رفعت رأسها وقالت: إنني في خطر ويجب أن أرى القنصل البريطاني أو صاحب السمو شيخ البلاد، لا يوجد غيرهما من يستطيع أن يحميني، وعند ما طلبنا منها مزيدا من الإيضاح قالت : هناك رجال أشرار، لو عرفوا أنني عدت إلى الحياة لحاولوا قتلي ودفني ثانية، إنهم لا يريدونني أن أرى نور النهار. أنقذوني منهم أيها الأصدقاء. فأنا أريد أن أعيش، وفيما هي تتكلم كنا نسمع صيحات الرجال، وما لبث أن رأينا عددا من الأشخاص مسلحين بالهراوات والسيوف يقتربون منا والشرر يتطاير من أعينهم، وكان يقودهم رجل مسن ذو لحية بيضاء بدا كما لو كان فارسيا. وكان الرجل العجوز يحمل في يده خنجراً طويلاً ووجهه الكريه يقطر بالشر. ولدى اقترابه صاح بأتباعه يأمرهم بالقبض على الفتاة التي كانت تتراجع مذعورة ويستعدوا لدفنها حية، وفيما كان البعض يقيدون يديها ورجليها كان آخرون يحفرون قبراً عميقاً لدفنها. وقد بدت عليهم علامات الهياج الشديد وقامت مجموعة ثالثة بملأ القبر بالماء. أما أنا وزوجتي فقد تسمرنا في مكاننا فجأة ولم نستطع أن نأتي بحركة لمساعدة الفتاة.

وصاح الرجل الملتحي قائلاً: إننا سندفنها حية في قبر من الطين. وانقض عليها كالوحش وساعده الآخرون في سحبها إلى جانب القبر إلى أن غاصت قدماها في الطين وهي مدلاة من حافة القبر. أخذت الفتاة تقاوم المهاجمين بضراوة. وفجأة زال السحر الذي كان يشل حركتنا ويمنعنا من تقديم العون للفتاة المسكينة، وبعد أن قمت بقتل الرجل العجوز بضربة على الرأس. هاجمت بقية الرجال بضراوة. وفي لحظات أصبح المكان خالياً إلا من جثة الرجل العجوز. ومن زوجتي والفتاة. ثم امسكنا بيد الفتاة وساعدناها على الوقوف ووضعنا عباءة حولها وأدخلناها إلى المنزل وبعدها استيقظت .

وبقيت كل تفاصيل الحلم مطبوعة في ذهني بكل وضوح، وفي اليوم التالي توجهت لأرى أم مبارك العجوز وكانت تخيم على بعد 39 ميلا جنوب الكويت وأخبرتها بكل شيء كما هو مذكور أعلاه وكانت إجابتها المتأنية:

أذهب يابني حالا وأخبر المدير الكبير (مستر سكوت) انه لن يجد نفطاً حيث يحفر الآن واطلب منه أن يغلق البئر وينقل معسكره من (بحرة ) شمال إلى ( برقان ) جنوب الكويت على بعد 35 ميلا وعند ما يصل إلى ذلك المكان يبحث عن (شجرة سدر) تنمو هناك واطلب منه أن يحفر بالقرب منها بحثا عن النفط وسيجد هناك كل مايريد من الذهب الأسود وهذا هو تفسير حلمك يابني. إن المرأة التي خرجت من قبرها هي النفط الذي تبحثون عنه وشجرة السدر التي عثرتم عليها عندها هي شجرة السدر الوحيدة التي توجد قريبا من تلال برقان وقريبة من آبار جعيدان. أما الرجل المسن ذو اللحية البيضاء فهو يمثل الأشخاص المعادين للحكومة والذين لا يريدون أن يظهر النفط في الكويت. ورغبة الفتاة أن تؤخذ إلى الشيخ أو الوكيل السياسي يعني أنهما صديقان ويصران على العثور على النفط وتنمية وحماية حقوله من جميع الأعداء. أما قطع العملة القديمة فهي تمثل الثروة التي ستحصل عليها الكويت.

كان تأثير كلمات أم مبارك علي كبيراً جعلني انطلق فورا لأخبر المدير العام ومدير الحفر في بحرة وقد ضم اللقاء شاهدان هما السيد (روذر) جيولوجي الشركة والسيدة (راكيسترو) وفي اليوم التالي أخبرت الشيخ احمد الصباح حاكم الكويت، وبعد شهرين بدأت فرق الزلازل بالعمل حول تلال برقان وعثروا في الحال على ما أسموه ( بنية نفطية جديدة ) قرب شجرة السدر عند آبار جعيدان. وبعد ثلاثة أشهر أغلقت شركة الزيت الحفر( شمال الخليج ).


صورة تاريخية لشجرة الاحلام بالكويت ويظهر في الصورة المستشرق ديكسون مع أحد ادلائه فهيد المري
نقلا عن سلسلة مقالات من جريدة الرياض للكاتب سعود المطيري

أضف تعليق